الثلاثاء، 28 فبراير 2017

أسلوب جديد من أساليب كفار مكة في الصد عن دين الله، ألا وهو أذية قريش لرسول - صلى الله عليه وسلم -

الخطبة الحادية عشرة:
أسلوب جديد من أساليب كفار مكة في الصد عن دين الله، ألا وهو أذية قريش لرسول - صلى الله عليه وسلم -

أيها الإخوة عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وحديثنا في هذا اللقاء سيكون عن أسلوب جديد من أساليب كفار مكة في الصد عن دين الله ألا وهو أذية قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

عباد الله! رسولنا في مكة يدعو الناس إلى دين الله، ويقول لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، والناس يدخلون دين الله، واجتمع كفار مكة للتشاور في كيفية صرف الناس عن هذا الدين الجديد، وفي كيفية صرف محمَّد - صلى الله عليه وسلم - عن دعوته الجديدة، فزينت لهم شياطين الإنس والجن أساليب منها:

- الاستهزاء والسخرية والتحقير والتضحيك بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولكنهم فشلوا في ذلك.
- ومنها إلقاء الشبهات والشكوك والتهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليصدوا الناس عن الإيمان به، ولكنهم فشلوا في ذلك أيضاً.
فانتقل كفار مكة إلى أسلوب جديد للصد عن دين الله، ألا وهو الاعتداء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقول والفعل والسب والقتل والتخويف، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثالثةٌ وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلا ما وارىإبط بلال" (١).

عباد الله! ومن أذية قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقول: ما رواه ربيعة بن عباد من بني الديل- وكان جاهلياً فأسلم- قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية في سوق (ذي المجاز) وهو يقول: "يا أيها الناس! قولوا: (لا إله إلا الله) تفلحوا"، والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه، أحول، ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب فسألت عنه؟ فقالوا: هذا عمه أبو لهب (٢).
وفي رواية أخرى قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (ذي المجاز) يتبع الناس في منازلهم، يدعوهم إلى الله، ووراءه رجل أحول، تقد وجنتاه، وهو يقول: يا أيها الناس! لا يغرنكم هذا عن دينكم ودين آبائكم، قلت: من هذا؟ قيل: هذا أبو لهب (٣).

مثال آخر!
عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: لما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}، أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولةٌ، وفي يدها فهر -أي حجر- وهي تقول: مذمماً أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها لن تراني" وقرأ قرآناً، فاعتصم به، كما قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)} [الإسراء: ٤٥]، فوقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا أبا بكر! إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها (٤)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟! " قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "يشتمون مذمماً، وأنا محمَّد، ويلعنون مذمماً، وأنا محمَّد" (٥).

(١) "صحيح ابن ماجه" (١٢٣).
(٢) إسناده جيد. انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٤٢ - ١٤٣).
(٣) إسناده حسن. انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٤٣).
(٤) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٣٧).
(٥) أخرجه البخاري (رقم ٣٥٣٣)

عباد الله! كفار مكة يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بألسنتهم فهذا يقول: إنه ساحر، وهذا يقول: إنه كاهن، وهذا يقول: إنه كذّاب، وهذا يقول إنه شاعر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يضيق صدره بما يقولون، ويحزن على ما يسمع منهم، وعلى كفرهم وإعراضهم، ولكن الله -عز وجل- ربط على قلبه، فكان الوحي ينزل عليه يواسيه ويعزيه ويسدده ويثبته، ويؤكد له أن العاقبة له:
قال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)} [الأنعام: ٣٣].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر: ٩٧ - ٩٩]، وقال تعالى: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٦)}، وقال تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْمِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١)} [الطور: ٢٩ - ٣١]، وقال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} [الذاريات: ٥٢ - ٥٥]، فأخبر الله -عز وجل- رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الذي تسمعه من كفار مكة؟ هو الذي تقوله الأمم المكذبة لرسلها من قبل، ولذلك يقول الله -عز وجل- لرسوله - صلى الله عليه وسلم - مواسياً: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)} [المزمل: ١٠]، وقال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨].
وعن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً فجاءته امرأة فقالت: يا محمَّد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً، فأنزل الله تعالى قوله: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)} [الضحى: ١ - ٣] (١).
(١) متفق عليه أخرجه البخاري (رقم ٤٩٥٠)، ومسلم (رقم ١٧٩٧).

عباد الله! كفار مكة يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بألسنتهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلغ دين الله، ويدعو الناس إلى عبادة الله، ويقول للناس "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، والناس يقبلون على هذا الدين، ويتبعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتمعت قريش مرة أخرى للتشاور في كيفية صرف محمَّد - صلى الله عليه وسلم - عن دعوته، فقرروا أن ينتقلوا من أسلوب الشتم والسب إلى أسلوب أشد، وهو البطش والتعذيب والفتك بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - "لقد أخفت في الله وما يخافأحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد" (١).

عباد الله! ومن صور هذا الاعتداء:
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزورٌ بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا (٢) جزور بني فلان فيأخذه فيأتي فيضعه في كتفي محمَّد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ساجدٌ ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت -وهي جويرية- فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً، ثم قال: "اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش" فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته، ثم قال: "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد".

قال ابن مسعود: فلقد رأيتهم صرعى (أي قتلى يوم بدر) ثم سحبوا إلى القليب؛ قليب بدر" (٣).
 ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "واتبع أصحاب القليب لعنة" (٤)، وقام عليهم يناديهم: "يا فلان! يا فلان! لقد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً". قال أصحابه: يا رسول الله أتخاطب أقواماً قد جُيِّفوا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، إلا أنهم لا يملكون جواباً".
أسمعهم الله -عز وجل- توبيخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٥).
(١) "صحيح ابن ماجه" (رقم ١٢٣).
(٢) هو الذي يخرج مع ولد الناقة كالمشيمة لولد المرأة.
(٣) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٢٤٠)، ومسلم (رقم ١٧٩٤)، واللفظ لمسلم عدا ذكر عمارة بن الوليد.
(٤) رواه البخاري (رقم ٢٤٠).
(٥) رواه مسلم (رقم ٢٨٧٣).


وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: هل يُعفر محمَّد وجهه بين أظهركم؟ -أي يسجد ويلصق وجهه بالتراب- فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرنَّ وجهه في التراب.
فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي. زعم ليطأ على رقبته فما فجئهم -أي بغتهم- فيه إلا وهو ينكص على عقبيه -أي: رجع يمشي إلى ورائه- ويتقي بيديه، فقيل له: مالك؟
فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً".
فأنزل الله -عز وجل-: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْوَاقْتَرِبْ (١٩)} [العلق: ٦ - ١٩] (١).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر أبو جهل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمَّد! فانتهره النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له أبو جهل: لم تنهرني يا محمَّد! فوالله لقد علمت ما بها أحدٌ أكثر نادياً مني. فقال جبريل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)} [العلق: ١٧ - ١٨]. فقال ابن عباس: والله؛ لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب (٢).

عباد الله! إيذاء واعتداء من كفار مكة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويا ليت الأمر توقف عند ذلك ولكنهم قرروا أن يقتلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
عن عروة بن الزبير أنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً. فأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: ٢٨] (٣).

عباد الله! وحزن النبي- صلى الله عليه وسلم - حزناً شديداً؛ لما يفعله كفار مكة من الاعتداءات عليه وعلى أصحابه، فما كان الله ليتركه حزيناً بل أراه من الآيات وخوارق العادات ما ربط على قلبه وثبته.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو جالس حزيناً، قد خضب بالدماء؛ ضربه بعض أهل مكة، فقال له:مالك؟ فقال له: "فعل بي هؤلاء وفعلوا". فقال جبريل عليه السلام "أتحب أن أريك آية؟ قال: "نعم" قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع بتلك الشجرة فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه. فقال: مرها فلترجع. فأمرها فرجعت إلى مكانها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حسبي" (٤).
ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلغ رسالة ربه، ويدعو الناس إلى دين الله صابراً محتسباً، واقفاً عند أمر ربه {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)} [الزخرف: ٨٩].
(١) رواه مسلم (رقم ٢٧٩٧).
(٢) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٤٤).
(٣) رواه البخاري (رقم ٤٨١٥).
 (٤) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٣٨).

عباد الله! رسولنا - صلى الله عليه وسلم - على خلق عظيم كما شهد له ربه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)}، فقد كان كفار مكة يعتدون عليه بالسب والشتم والضرب، ومع ذلك كان لا ينتقم لنفسه أبداً، بل جاءه ملك الجبال وقال له: يا محمَّد لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (أي الجبلين) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً" (١).

رسول كريم، إنها أخلاق النبوة، ويجب على الدعاة أن يتأسوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصبر على أذى الكفار، وأن يمضوا في الدعوة إلى هذا الدين العظيم.

عباد الله! تعالوا بنا لننظر إلى هذا الخلق العظيم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكفار مكة يجمعون عليه الإيذاء بالقول والفعل، ومع ذلك فهو يعفو ويصفح.
عن عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاصي: ما أكثر ما رأيتعليك يوم كان أشد من يوم أحد؟
فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت فيها فإذا جبربل عليه السلام فناداني فقال: يا محمَّد إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمَّد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك. فما شئت؛ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (أي الجبلين)!

فقال - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً" (٢).
الله أكبر، إنها أخلاق النبوة، إنه العفو والصفح، فهكذا يا دعاة الإِسلام تعلموا الصبر، وأقبلوا على الله -عز وجل-، وادعوا الناس إلى هذا الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠)} [آل عمران: ١٥٩ - ١٦٠].

اللهم رد المسلمين إلى دينك رداً جميلاً.
(١) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٣٢٣١)، ومسلم (رقم ١٧٩٥).
 (٢) متفق عليه تقدم قريباً.


 المصدر كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الانام صلي الله عليه وسلم


 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسلوب جديد من أساليب كفار مكة في الصد عن دين الله، ألا وهو أذية قريش لرسول - صلى الله عليه وسلم -

الخطبة الحادية عشرة: أسلوب جديد من أساليب كفار مكة في الصد عن دين الله، ألا وهو أذية قريش لرسول - صلى الله عليه وسلم - أيها الإخوة عباد الل...