- بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة العاشرة: مرحلة الدعوة إلى الله
المرحلة الثانية: الدعوة إلى الله جهراً
عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وحديثنا في هذا اللقاء، سيكون عن المرحلة الثانية من مراحل الدعوة إلى الله تعالى؛ ألا وهي المرحلة الجهرية.
عباد الله! رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة يدعو الناس سراً، وبقي على ذلك حتى
أمره الله أن يجهر بدعوته.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} [الشعراء: ٢١٤]، صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً، لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟؟ " قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً فقال - صلى الله عليه وسلم -: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)} (١).
والتب هو: الهلاك والخسران.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم ٤٧٧٠)، ومسلم (رقم ٢٠٨).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال: لما أنزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} [الشعراء: ٢١٤]، دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً فاجتمعوا، فعم وخص. فقال: "يا بني كعب بن لؤي! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني مرة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها" (١).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤]، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على الصفا فقال: "يا فاطمة بنت محمَّد! يا صفية بنت عبد المطلب! يا بني عبد الطلب! لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم" (٢).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} [الشعراء: ٢١٤]، يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب! لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت رسول الله! سليني بما شئت، لا أُغني عنك من الله شيئاً" (٣).
فهذه دعوة جهرية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجميع أن يؤمنوا بالله تبارك وتعالى وحده.
(١) رواه مسلم (رقم ٢٠٤).
(٢) رواه مسلم (٢٠٥).
(٣) رواه البخاري (رقم ٢٧٥٣) ومسلم (٢٠٦).
ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلغ رسالة ربه جهراً، وأخذ - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى عبادة الله في كل مكان، وبدأ يجهر بصلاته وقراءة القرآن أمام الكفار، وأخذ الضعفاء والمساكين يؤمنون بالله -عز وجل-، ويتبعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا الدين الذي بعثه الله به، وأخذوا يزدادون يوماً بعد يوم.
عباد الله! وممن أسلم في مرحلة الدعوة الجهرية في مكة أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه -.
ويؤخذ من الروايات الصحيحة أن أبا ذر - رضي الله عنه - كان منكراً لحال الجاهلية، يأبى عبادة الأصنام، وينكر على من يشرك بالله وكان يصلي لله قبل إسلامه بثلاث سنوات دون أن يخص قبلة بعينها بالتوجه، ويبدو أنه كان متأثراً بالأحناف، ولما سمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قدم إلى مكة، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع فرآه علي - رضي الله عنه - فعرف أنه غريب، فاستضافه ولم يسأله عن شيء، ثم غادره صباحاً إلى المسجد الحرام فمكث حتى أمسى، فرآه علي فاستضافه لليلة ثانية وحدث مثل ذلك في الليلة الثالثة، ثم سأله عن سبب قدومه فلما استوثق منه أبوذر، أخبره بأنه يريد مقابلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له علي: "فإنه حق وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني، فتبعه، وقابل الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستمع إلى قوله فأسلم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - "ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري" فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه"، فأتى العباس بن عبد المطلب فحذرهم من انتقام غفار، والتعرض لتجارتهم التي تمر بديارهم إلى الشام فأنقذه منهم" (١).
(١) متفق عليه رواه البخاري (رقم ٣٥٢٢)، ومسلم (رقم ٢٤٧٤).
عباد الله! اجتمع كفار مكة من أجل التشاور في كيفية صرف الناس عن هذا الدين الجديد، وفي كيفية صرف محمَّد - صلى الله عليه وسلم - نفسه عن هذه الدعوة الجديدة، فزينت لهم شياطين الإنس والجن أساليب كثيرة منها:
السخرية والاستهزاء والتحقير والتضحيك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، القصد بذلك تخذيل المسلمين وتوهين قواهم المعنوية وصد الناس عن الدين، قال تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٦)} [الأنبياء: ٣٦]، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٢)} [الفرقان: ٤١ - ٤٢]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (٣٢) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (٣٣)} [المطففين: ٢٩ - ٣٣]، فالله -عز وجل- يعاقب الكفار بجنس ما فعلوا يوم القيامة فقال تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)} [المطففين: ٣٤ - ٣٦]، وقال تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْتَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (١١١)} [المؤمنون: ١٠٣ - ١١١].
ومنها: إثارة الشكوك والشبهات حول النبي- صلى الله عليه وسلم - نفسه ليصدوا الناس عن هذا الدين، فتارة يتهمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنون، قال تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)} [الحجر: ٦]. وقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١)} [القلم: ٥١]. فرد الله عليهم هذه الفرية. فقال تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢)} [التكوير: ٢٢]. وقال تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)} [القلم: ١ - ٢].
وتارة يتهمونه بالسحر والكذب والشعر والكهانة، قال تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤)} [ص: ٤]، وقال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)} [الفرقان: ٧ - ٨]، فرد الله عليهم هذه الافتراءات بقوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١)} [الحاقة: ٣٨ - ٥١]
عباد الله أخذ كفار مكة يتهمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاتهامات الكاذبة ليصدوا الناس عن الإيمان به، وجاء رجل إلى مكة فسمعهم يقولون عن محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إنه مجنون، فذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرقيه، فلما جلس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع كلامه آمن به واتبعه.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قدم ضماد مكة -وكان من أزد شنوءة- وكان يرقي (١) من هذه الريح (٢)، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمداً مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي قال: فلقيه؛ فقال: يا محمَّد! إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء. فهل لك (٣)؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن الحمد لله نحمده ونستعينه. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد:"
فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغهن ناعوس البحر (٤).
فقال: هات يدك أبايعك على الإِسلام، فبايعه.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وعلى قومك" قال: وعلى قومي، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فمروا بقومه. فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئاً؟
فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة.
فقال: ردوها. فإن هؤلاء قوم ضماد" (٥).
انظروا عباد الله! أرادوا أن يصدوا الناس عن رسول الله باتهامه أنه مجنون، فكان ذلك سبب أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً.
فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة.
فقال: ردوها. فإن هؤلاء قوم ضماد" (٥).
انظروا عباد الله! أرادوا أن يصدوا الناس عن رسول الله باتهامه أنه مجنون، فكان ذلك سبب أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً.
(١) من الرقية وهي العوذة التي يرقي بها صاحب الآفة.
(٢) المراد بالريح، هنا، الجنون ومس الجن.
(٣) أي فهل لك رغبة في رقيتي، وهل تميل إليها.
(٤) أي وسطه ولجته.(٥) رواه مسلم (رقم ٨٦٨).
عباد الله! أما الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ مما سمعنا فهي كثيرة منها:
أولاًَ: لا مجال للسرية والكتمان والخفاء في الدعوة إلى الله تعالى، وذلك بعد أن أنزل الله -عز وجل- على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} وقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤)} [الحجر: ٩٤]، فالله -عز وجل- أظهر دينه وأعلى كلمته وعرف الإِسلام، وأرسيت قواعده ومبادئه، وعرفها القاصي والداني، وسمع بها القريب والبعيد، فلا مجال للسرية، ولا مجال للكتمان، ولا مجال للخفاء.
وكان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- ينكرون السرية ويعيبونها وأهلها الذين يسرون بدعوتهم ويدعون الناس بين الجدران في ظلام الليل، فديننا ليس فيه شيء للخواص وشيء للعوام، إنما الإِسلام يدعو الناسجميعاً أن يكونوا عباداً لله، فمن دعاك إلى العقيدة الصحيحة فأجبه، ومن دعاك إلى درس علم في بيت الله فأجبه، ومن دعاك إلى اجتماع في ظلمة الليل، وأخبرك أن هذا خاص لا يجوز أن تنقله إلى العوام؛ فلا تجبه، فإنه حزبي مبتدع.
عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - قال: "إذا رأيت قوماً يتناجون بأمر دون العامة فهم على تأسيس الضلالة".
ولما مدح أبو الفرج ابن الجوزي السنة وأهلها وذم البدعة وأهلها قال: "فبان بما ذكرنا أن المبتدعة هم الذين يقولون شيئاً لا يعرف من قبل ولا مستند له ولهذا أسروه وكتموه، وأما أهل السنة فقولهم مشهور وطريقتهم ظاهرة ولهم العاقبة بإذن الله تعالى" (١).
كيف لا والله -عز وجل- يقول في كتابه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)} [يوسف: ١٠٨].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" (٢).
ثانياً: أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لأقرب الناس
له: "يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت
محمَّد سليني من مالي ما شئت، فإني لا أغني عنك من الله شيئاً" (٣)، فالنسبوالقرابة لا ينفعان صاحبها يوم القيامة؟ والله -عز وجل- يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)} [المؤمنون: ١٠١].
وقال تعالى: {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)} [الممتحنة: ٣]. وقال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)} [النجم: ٣٦ - ٤١].
وبين لنا ربنا جل وعلا أن الصلات والإنساب والأرحام لا تنفع أصحابها يوم القيامة.
قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١)} [التحريم: ١٠ - ١١].
لكن يستثنى من ذلك قرابة ونسب المسلمين، لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: ٢٣] وقوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: ٢١] ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي" (٤).
(١) "تلبيس إبليس" (ص ١٧ - ١٨).(٢) رواه مسلم (رقم ١٩٢٠).
(٣) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٢٧٥٣)، ومسلم (رقم ٢٠٦).(٤) السلسلة الصحيحة" (٢٠٣٦)، "صحيح الجامع" (رقم ٤٥٦٤).
ثالثاً: المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، فالكفار في مكة مكروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتهموه بالجنون ليصدوا الناس عن سبيل الله، فلما قدم ضماد - رضي الله عنه - إلى مكة قالوا له: إن محمداً مجنون؛ فذهب إليه ليرقيه؛ فلما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - آمن به واتبعه.
وفي هذا الزمان قد مكر الكفار بالإِسلام والمسلمين، يريدون أن يشوهوا صورة الإِسلام بوسائل الإعلام، ولكن كان عكس ما أرادوا فلله الحمد والمنة، الناس في هذا الزمان قد أقبلوا على الصلاة أكثر من ذي قبل، وقد أقبل طلاب العلم على دروس العلم، وقد دخل الناس في دين الله أكثر من قبل، ذلك حتى تعلم أيها المسلم أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، فهم يمكرون ويكيدون وأنت يا ربنا ماذا تفعل {وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)} [الطارق: ١٦ - ١٧]، وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)} [الصف: ٨ - ٩].
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
تابع القراءه في(أسلوب جديد من أساليب كفار مكة في الصد عن دين الله، ألا وهو أذية قريش لرسول - صلى الله عليه وسلم )
المصدر كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الانام صلي الله عليه وسلم
(٣) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٢٧٥٣)، ومسلم (رقم ٢٠٦).(٤) السلسلة الصحيحة" (٢٠٣٦)، "صحيح الجامع" (رقم ٤٥٦٤).
ثالثاً: المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، فالكفار في مكة مكروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتهموه بالجنون ليصدوا الناس عن سبيل الله، فلما قدم ضماد - رضي الله عنه - إلى مكة قالوا له: إن محمداً مجنون؛ فذهب إليه ليرقيه؛ فلما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - آمن به واتبعه.
وفي هذا الزمان قد مكر الكفار بالإِسلام والمسلمين، يريدون أن يشوهوا صورة الإِسلام بوسائل الإعلام، ولكن كان عكس ما أرادوا فلله الحمد والمنة، الناس في هذا الزمان قد أقبلوا على الصلاة أكثر من ذي قبل، وقد أقبل طلاب العلم على دروس العلم، وقد دخل الناس في دين الله أكثر من قبل، ذلك حتى تعلم أيها المسلم أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، فهم يمكرون ويكيدون وأنت يا ربنا ماذا تفعل {وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)} [الطارق: ١٦ - ١٧]، وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)} [الصف: ٨ - ٩].
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
تابع القراءه في(أسلوب جديد من أساليب كفار مكة في الصد عن دين الله، ألا وهو أذية قريش لرسول - صلى الله عليه وسلم )
المصدر كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الانام صلي الله عليه وسلم
اللهم لك الحمد ان هديتنا الى دين الحق دين الاسلام اللهم احشرنا فى زمرة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم
ردحذفاللهم أمين نحن وإياك والمسلمين أجمعين
ردحذف