[[السجود]]
ثم يكبر للسجود بدون رفع اليدين، لقول ابن عمر: " وكان لا يفعل ذلك في السجود".
ثم يكبر للسجود بدون رفع اليدين، لقول ابن عمر: " وكان لا يفعل ذلك في السجود".
ويخرُّ على الركبتين لا على يديه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) رواه البخاري والبعير عند بروكه يقدم اليدين فيخرّ البعير لوجهه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرّ الإنسان في سجوده على يديه، لأنه إذا فعل ذلك برك كما يبرك البعير، هذا ما يدل عليه الحديث خلافاً لمن قال: إنه يدل على أنك تقدم يديك ولا تخرّ على ركبتيك لأن البعير عند البروك يخرّ على ركبتيه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير.... فلو قال ذلك، لقلنا نعم إذن لا تبرك على الركبتين، لأن البعير يبرك على ركبتيه، لكنه قال: " فلا يبرك كما يبرك البعير" فالنهي إذن عن الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه الإنسان ويخر عليه، والأمر في هذا واضح جداً لمن تأمله، فلا حاجة إلى أن نتعب أنفسنا وأن نحاول أن نقول: إن ركبتي البعير في يديه، وأنه يبرك عليهما، لأننا في غنى عن هذا الجدل، حيث إن النهي ظاهر الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه.
ولهذا قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: إن قوله في آخر الحديث: " وليضع يديه قبل ركبتيه" منقلب على الراوي لأنه لا يطابق مع أول الحديث، وإذا كان الأمر كذلك فإننا نأخذ بالأصل لا بالمثال فإنه قوله: " وليضع يديه قبل ركبتيه " هذا على سبيل التمثيل، وحينئذٍ إذا أردنا أن نرده إلى أصل الحديث صار صوابه: " وليضع ركبتيه قبل يديه".
إذاً يخرّ على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه.
ويسجد على سبعة أعضاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم:: ((أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم" ثم فصلها النبي صلى الله عليه وسلم: " على الجبهة، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين)) رواه البخاري ومسلم فيسجد الإنسان على هذه الأعضاء.
ولهذا قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: إن قوله في آخر الحديث: " وليضع يديه قبل ركبتيه" منقلب على الراوي لأنه لا يطابق مع أول الحديث، وإذا كان الأمر كذلك فإننا نأخذ بالأصل لا بالمثال فإنه قوله: " وليضع يديه قبل ركبتيه " هذا على سبيل التمثيل، وحينئذٍ إذا أردنا أن نرده إلى أصل الحديث صار صوابه: " وليضع ركبتيه قبل يديه".
إذاً يخرّ على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه.
ويسجد على سبعة أعضاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم:: ((أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم" ثم فصلها النبي صلى الله عليه وسلم: " على الجبهة، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين)) رواه البخاري ومسلم فيسجد الإنسان على هذه الأعضاء.
وينصب ذراعيه فلا يضعهما على الأرض ولا على ركبتيه.
ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه فيكون الظهر مرفوعاً.
ولا يمد ظهره كما يفعله بعض الناس، تجده يمد ظهره حتى إنك تقول: أمنبطح هو أم ساجد؟ فالسجود ليس فيه مد ظهر، بل يرفع ويعلو حتى يتجاف عن الفخذين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اعتدلوا في السجود " وهذا الامتداد الذي يفعله بعض الناس في السجود يظن أنه السنة، هو مخالف للسنة، وفيه مشقة على الإنسان شديدة؛ لأنه إذا امتد تحمل نقل البدن على الجبهة، وانخنعت رقبته، وشق عليه ذلك كثيراً، وعلى كل حال لو كان هذا هو السنة لتحمل الإنسان ولكنه ليس هو السنة.
وفي حال السجود يقول: ((سبحان ربي الأعلى ثلاثة مرات)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) رواه البخاري ومسلم.
((سبوح قدوس)) رواه مسلم.
ويكثر في السجود عن الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) رواه مسلم. أي حري أن يستجاب لكم، وذلك لأنه أقرب ما يكون من ربه في هذا الحال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) رواه البخاري. ولكن لاحظ أنك إذا كنت مع الإمام فالمشروع في حقك متابعة الإمام فلا تمكث في السجود لتدعو، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سجد فاسجدوا وإذا ركع فاركعوا)) رواه البخاري فأمرنا أن نتابع الإمام وألا نتأخر عنه.
ثم ينهض من السجود مكبراً.
[[بين السجدتين]]
ويجلس بين السجدتين مفترشاً وكيفيته: أن يجعل الرجل اليسرى فراشاً له، وينصب الرجل اليمنى من الجانب الأيمن.
أما اليدان فيضع يده اليمين على فخذه اليمنى أو على رأس الركبة، ويده اليسرى على فخذه اليسرى أو يلقمها الركبة، فلتاهما صفات واردتان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن اليد اليمنى يضم منها الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام، أو تحلق الإبهام على الوسط وأما السبابة فتبقى مفتوحة غير مضمومة، ويحركها عند الدعاء فقط فمثلاً إذا قال: " ربي اغفر لي " يرفعها، " وأرحمني " يرفعها، وهكذا في كل جملة دعائية يرفعها. أما اليد اليسرى فانها مبسوطة. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم - أن اليد اليمنى تكون مبسوطة وإنما ورد أنه يقبض منها الخنصر والبنصر، ففي بعض ألفاظ حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((كان إذا قعد في الصلاة)) رواه مسلم. وفي بعضها " إذا قعد في التشهد" رواه أحمد، وتقييد ذلك بالتشهد لا يعني أنه لا يعم جميع الصلاة لأن الراجح من أقوال الأصوليين أنه إذا ذكر العموم ثم ذكر أحد أفراده بحكم يطابقه فإن ذلك لا يقتضي التخصيص.
فمثلاً إذا قلت أكرم الطلبة، ثم قلت أكرم فلاناً - وهو من الطلبة - فهل ذكر فلان في هذه الحال يقتضي تخصيص الإكرام به؟ كلا كما أنه لما قال الله تعالى (تنزل الملائكة والروح فيها) لم يكن ذكر الروح مخرجاً لبقية الملائكة، والمهم أن ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص ولكن يكون تخصيص هذا الفرد بالذكر لسبب يقتضيه، إما للعناية به أو لغير ذلك.
ثم ينهض للركعة الثانية مكبراً معتمداً على ركبتيه قائماً بدون جلوس، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد. وقيل بل يجلس ثم يقوم معتمداً على يديه، كما هو المشهور من مذهب الشافعي، وهذه الجلسة مشهورة عند العلماء باسم جلسة الاستراحة.
وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في مشروعيتها فقال بعضهم: فإذا قمت إلى الثانية أو إلى الرابعة فاجلس ثم انهض معتمداً على يديك إما على صفة العاجن - إن صح الحديث في ذلك أو على غير هذه الصفة عند من يرى أن حديث العجن ضعيف المهم أنهم اختلفوا في هذه الجلسة، فمنهم من يرى أنها مستحبة مطلقاً، ومنهم من يرى أنها غير مستحبة على سبيل الإطلاق، ومنهم من يفصل ويقول: إن احتجت إليها لضعف، أو كبر، أو مرض، أو ما أشبه ذلك فإنك تجلس ثم تنهض، وأما إذا لم تحتج إليها فلا تجلس، واستدل لذلك أن هذه الجلسة ليس لها دعاء، وليس لها تكبير عند الانتقال منها، بل التكبير واحد من السجود للقيام، فلما كان الأمر كذلك دل على أنها غير مقصودة في ذاتها لأن كل ركن مقصود لذاته في الصلاة لابد فيه من ذكر مشروع، وتكبير سابق، وتكبير لاحق قالوا: ويدل لذلك أيضاً أن في حديث مالك ابن الحويرث: " أنه يعتمد على يديه " والاعتماد على اليدين لا يكون غالباً إلا من حاجة وثقل بالجسم لا يتمكن من النهوض.
فلهذا نقول: إن احتجت إليها فلا تكلف نفسك في النهوض من السجود إلى القيام رأساً، وإن لم تحتج فالأولى أن تنهض من السجود إلى القيام رأساً، وهذا هو ما اختاره صاحب المغنى - ابن قدامة المعروف بالموفق رحمه الله - وهو من أكابر أصحاب الإمام أحمد، وأظنه اختيار ابن القيم في زاد المعاد أيضاً.
ويقول صاحب المغنى: إن هذا هو الذي تجتمع في الأدلة - أي التي فيها إثبات هذه الجلسة ونفيها.
والتفصيل هنا - عندي - أرجح من الإطلاق، وإن كان رجاحته - عندي - ليس بذلك الرجحان الجيد، لأنه لا يتعارض في فهمي مع الجلسة فالمراتب عندي ثلاث:
أولاً: مشروعية هذه الجلسة عند الحاجة إليها، وهذا لا إشكال فيه.
ثانياً: مشروعيتها مطلقاً، وليس بعيداً عنه في الرجحان.
ثالثا: أنها لا تشرع مطلقاً، وهذا عندي ضعيف، لأن الأحاديث فيها ثابتة، لكن هل هي ثابتة عند الحاجة أو مطلقاً؟ هذا محل الإشكال، والذي يترجح عندي يسيراً أنها تشرع للحاجة فقط
وفي الركعة الثانية، يفعل كما يفعل في الركعة الأولى، إلا في شيء واحد وهو الاستفتاح، فانه لا يستفتح، وأما التعوذ ففيه خلاف بني العلماء منهم من يرى أنه يتعوذ في كل ركعة، ومنهم من يرى أنه لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى.
فإذا صلى الركعة الثانية جلس للتشهد كجلوسه بين السجدتين في كيفية الرجلين، وفي كيفية اليدين.
ويقرأ التشهد وقد ورد فيه صفات متعددة وقولنا فيه كقولنا في دعاء الاستفتاح، أي أن الإنسان ينبغي له أن يأتي مرة بتشهد ابن عباس ومرة بتشهد ابن مسعود، ومرة بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هاتي الصفتين فيقول: ((التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) رواه البخاري.
وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام بعد التشهد الأول رافعاً يده كما رفعها عند تكبيرة الإحرام، وصلى بقية الصلاة وتكون بالفاتحة فقط فلا يقرأ معها سورة أخرى، وإن قرأ أحياناً فلا بأس لوروده في ظاهر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ثم يجلس إذا كان في ثلاثية أو رباعية للتشهد الثاني، وهذا التشهد يختلف عن التشهد الأول وفي كيفية الجلوس لأنه يجلس متوركاً والتورك له ثلاثة صفات:
الصفة الأولى: أن ينصب الرجل اليمنى ويخرج الرجل اليسرى من تحت الساق، ويجلس بإِلييتيه على الأرض.
والصفة الثانية: أن يفرش رجليه جميعاً ويخرجها من الجانب الأيمن، وتكون الرجل اليسرى تحت ساق اليمنى.
والصفة الثالثة: أن يفرش الرجل اليمنى ويجعل الرجل اليسرى بين الفخذ والساق.
فهذه ثلاثة صفات للتورك ينبغي أن يفعل هذا تارة، وأن يفعل هذا تارة أخرى.
ثم يقرأ التشهد الأخير ويضيف على التشهد الأول: ((اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد)) رواه البخاري ومسلم.
ويقول: ((أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال)) رواه مسلم.
ويدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة.
والتعوذ بالله من هذه الأربع في التشهد الأخير أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب التعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير وقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، وكثير من الناس اليوم لا يبالي بها، تجده إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم سَلّم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن نستعيذ بالله من هذه الأربع، وكان طاوس رحمه الله وهو من التابعين يأمر من لم يتعوذ بالله من هذه الأربع باعادة الصلاة، كما أمر ابنه بذلك، فالذي ينبغي يلك أن لا تدع التعوذ بالله من هذه الأربع لما في النجاة منها من السعادة في الدنيا والآخرة وبعد ذلك تسلم " السلام عليكم ورحمة الله "، وعن يسارك " السلام عليكم ورحمة الله ".
وبهذا تنتهي الصلاة.
➖➖
وينبغي للإنسان أن كان يحب أن يدعو الله عز وجل أن يجعل دعاءه قبل أن يسلم أي بعد أن يكمل التشهد، وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التعوذ، يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ومن قال من أهل العلم إنه لا يدعو بأمر يتعلق بالدنيا، فقوله ضعيف، لأنه يخالف عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم " ثم ليتخير من الدعاء ما شاء " رواه البخاري ومسلم فأنت إذا كنت تريد الدعاء فادع الله قبل أن تسلّم وبذلك نعرف أن ما اعتاده كثير من الناس اليوم كلما سلّم من التطوع ذهب يدعو الله عز وجل حتى يجعله من الأمور الراتبة والسنن اللازمة فهذا أمر لا دليل عليه والسنة إنما جاءت بالدعاء قبل السلام.
هذه صفة الصلاة فيما نعلمه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي للإنسان أن يحرص على تطبيق ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق كيفية الصلاة ليكون ممتثلاً لقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري وأحمد.
وأهم شيء بالنسبة للصلاة بعد أن يُجري الإنسان أفعاله على السنة فيما أراه: هو حضور القلب، لأن كثيراً من الناس الآن لا تتسلط عليه الهواجس والوساوس إلا إذا دخل في الصلاة، وبمجرد ما ينتهي من صلاته تطير عنه هذه الهواجس والوساوس.
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من كتاب صفة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم للعثيمين
ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه فيكون الظهر مرفوعاً.
ولا يمد ظهره كما يفعله بعض الناس، تجده يمد ظهره حتى إنك تقول: أمنبطح هو أم ساجد؟ فالسجود ليس فيه مد ظهر، بل يرفع ويعلو حتى يتجاف عن الفخذين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اعتدلوا في السجود " وهذا الامتداد الذي يفعله بعض الناس في السجود يظن أنه السنة، هو مخالف للسنة، وفيه مشقة على الإنسان شديدة؛ لأنه إذا امتد تحمل نقل البدن على الجبهة، وانخنعت رقبته، وشق عليه ذلك كثيراً، وعلى كل حال لو كان هذا هو السنة لتحمل الإنسان ولكنه ليس هو السنة.
وفي حال السجود يقول: ((سبحان ربي الأعلى ثلاثة مرات)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) رواه البخاري ومسلم.
((سبوح قدوس)) رواه مسلم.
ويكثر في السجود عن الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) رواه مسلم. أي حري أن يستجاب لكم، وذلك لأنه أقرب ما يكون من ربه في هذا الحال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) رواه البخاري. ولكن لاحظ أنك إذا كنت مع الإمام فالمشروع في حقك متابعة الإمام فلا تمكث في السجود لتدعو، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سجد فاسجدوا وإذا ركع فاركعوا)) رواه البخاري فأمرنا أن نتابع الإمام وألا نتأخر عنه.
ثم ينهض من السجود مكبراً.
[[بين السجدتين]]
ويجلس بين السجدتين مفترشاً وكيفيته: أن يجعل الرجل اليسرى فراشاً له، وينصب الرجل اليمنى من الجانب الأيمن.
أما اليدان فيضع يده اليمين على فخذه اليمنى أو على رأس الركبة، ويده اليسرى على فخذه اليسرى أو يلقمها الركبة، فلتاهما صفات واردتان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن اليد اليمنى يضم منها الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام، أو تحلق الإبهام على الوسط وأما السبابة فتبقى مفتوحة غير مضمومة، ويحركها عند الدعاء فقط فمثلاً إذا قال: " ربي اغفر لي " يرفعها، " وأرحمني " يرفعها، وهكذا في كل جملة دعائية يرفعها. أما اليد اليسرى فانها مبسوطة. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم - أن اليد اليمنى تكون مبسوطة وإنما ورد أنه يقبض منها الخنصر والبنصر، ففي بعض ألفاظ حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((كان إذا قعد في الصلاة)) رواه مسلم. وفي بعضها " إذا قعد في التشهد" رواه أحمد، وتقييد ذلك بالتشهد لا يعني أنه لا يعم جميع الصلاة لأن الراجح من أقوال الأصوليين أنه إذا ذكر العموم ثم ذكر أحد أفراده بحكم يطابقه فإن ذلك لا يقتضي التخصيص.
فمثلاً إذا قلت أكرم الطلبة، ثم قلت أكرم فلاناً - وهو من الطلبة - فهل ذكر فلان في هذه الحال يقتضي تخصيص الإكرام به؟ كلا كما أنه لما قال الله تعالى (تنزل الملائكة والروح فيها) لم يكن ذكر الروح مخرجاً لبقية الملائكة، والمهم أن ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص ولكن يكون تخصيص هذا الفرد بالذكر لسبب يقتضيه، إما للعناية به أو لغير ذلك.
ثم ينهض للركعة الثانية مكبراً معتمداً على ركبتيه قائماً بدون جلوس، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد. وقيل بل يجلس ثم يقوم معتمداً على يديه، كما هو المشهور من مذهب الشافعي، وهذه الجلسة مشهورة عند العلماء باسم جلسة الاستراحة.
وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في مشروعيتها فقال بعضهم: فإذا قمت إلى الثانية أو إلى الرابعة فاجلس ثم انهض معتمداً على يديك إما على صفة العاجن - إن صح الحديث في ذلك أو على غير هذه الصفة عند من يرى أن حديث العجن ضعيف المهم أنهم اختلفوا في هذه الجلسة، فمنهم من يرى أنها مستحبة مطلقاً، ومنهم من يرى أنها غير مستحبة على سبيل الإطلاق، ومنهم من يفصل ويقول: إن احتجت إليها لضعف، أو كبر، أو مرض، أو ما أشبه ذلك فإنك تجلس ثم تنهض، وأما إذا لم تحتج إليها فلا تجلس، واستدل لذلك أن هذه الجلسة ليس لها دعاء، وليس لها تكبير عند الانتقال منها، بل التكبير واحد من السجود للقيام، فلما كان الأمر كذلك دل على أنها غير مقصودة في ذاتها لأن كل ركن مقصود لذاته في الصلاة لابد فيه من ذكر مشروع، وتكبير سابق، وتكبير لاحق قالوا: ويدل لذلك أيضاً أن في حديث مالك ابن الحويرث: " أنه يعتمد على يديه " والاعتماد على اليدين لا يكون غالباً إلا من حاجة وثقل بالجسم لا يتمكن من النهوض.
فلهذا نقول: إن احتجت إليها فلا تكلف نفسك في النهوض من السجود إلى القيام رأساً، وإن لم تحتج فالأولى أن تنهض من السجود إلى القيام رأساً، وهذا هو ما اختاره صاحب المغنى - ابن قدامة المعروف بالموفق رحمه الله - وهو من أكابر أصحاب الإمام أحمد، وأظنه اختيار ابن القيم في زاد المعاد أيضاً.
ويقول صاحب المغنى: إن هذا هو الذي تجتمع في الأدلة - أي التي فيها إثبات هذه الجلسة ونفيها.
والتفصيل هنا - عندي - أرجح من الإطلاق، وإن كان رجاحته - عندي - ليس بذلك الرجحان الجيد، لأنه لا يتعارض في فهمي مع الجلسة فالمراتب عندي ثلاث:
أولاً: مشروعية هذه الجلسة عند الحاجة إليها، وهذا لا إشكال فيه.
ثانياً: مشروعيتها مطلقاً، وليس بعيداً عنه في الرجحان.
ثالثا: أنها لا تشرع مطلقاً، وهذا عندي ضعيف، لأن الأحاديث فيها ثابتة، لكن هل هي ثابتة عند الحاجة أو مطلقاً؟ هذا محل الإشكال، والذي يترجح عندي يسيراً أنها تشرع للحاجة فقط
وفي الركعة الثانية، يفعل كما يفعل في الركعة الأولى، إلا في شيء واحد وهو الاستفتاح، فانه لا يستفتح، وأما التعوذ ففيه خلاف بني العلماء منهم من يرى أنه يتعوذ في كل ركعة، ومنهم من يرى أنه لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى.
فإذا صلى الركعة الثانية جلس للتشهد كجلوسه بين السجدتين في كيفية الرجلين، وفي كيفية اليدين.
ويقرأ التشهد وقد ورد فيه صفات متعددة وقولنا فيه كقولنا في دعاء الاستفتاح، أي أن الإنسان ينبغي له أن يأتي مرة بتشهد ابن عباس ومرة بتشهد ابن مسعود، ومرة بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هاتي الصفتين فيقول: ((التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) رواه البخاري.
وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام بعد التشهد الأول رافعاً يده كما رفعها عند تكبيرة الإحرام، وصلى بقية الصلاة وتكون بالفاتحة فقط فلا يقرأ معها سورة أخرى، وإن قرأ أحياناً فلا بأس لوروده في ظاهر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ثم يجلس إذا كان في ثلاثية أو رباعية للتشهد الثاني، وهذا التشهد يختلف عن التشهد الأول وفي كيفية الجلوس لأنه يجلس متوركاً والتورك له ثلاثة صفات:
الصفة الأولى: أن ينصب الرجل اليمنى ويخرج الرجل اليسرى من تحت الساق، ويجلس بإِلييتيه على الأرض.
والصفة الثانية: أن يفرش رجليه جميعاً ويخرجها من الجانب الأيمن، وتكون الرجل اليسرى تحت ساق اليمنى.
والصفة الثالثة: أن يفرش الرجل اليمنى ويجعل الرجل اليسرى بين الفخذ والساق.
فهذه ثلاثة صفات للتورك ينبغي أن يفعل هذا تارة، وأن يفعل هذا تارة أخرى.
ثم يقرأ التشهد الأخير ويضيف على التشهد الأول: ((اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد)) رواه البخاري ومسلم.
ويقول: ((أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال)) رواه مسلم.
ويدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة.
والتعوذ بالله من هذه الأربع في التشهد الأخير أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب التعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير وقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، وكثير من الناس اليوم لا يبالي بها، تجده إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم سَلّم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن نستعيذ بالله من هذه الأربع، وكان طاوس رحمه الله وهو من التابعين يأمر من لم يتعوذ بالله من هذه الأربع باعادة الصلاة، كما أمر ابنه بذلك، فالذي ينبغي يلك أن لا تدع التعوذ بالله من هذه الأربع لما في النجاة منها من السعادة في الدنيا والآخرة وبعد ذلك تسلم " السلام عليكم ورحمة الله "، وعن يسارك " السلام عليكم ورحمة الله ".
وبهذا تنتهي الصلاة.
➖➖
وينبغي للإنسان أن كان يحب أن يدعو الله عز وجل أن يجعل دعاءه قبل أن يسلم أي بعد أن يكمل التشهد، وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التعوذ، يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ومن قال من أهل العلم إنه لا يدعو بأمر يتعلق بالدنيا، فقوله ضعيف، لأنه يخالف عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم " ثم ليتخير من الدعاء ما شاء " رواه البخاري ومسلم فأنت إذا كنت تريد الدعاء فادع الله قبل أن تسلّم وبذلك نعرف أن ما اعتاده كثير من الناس اليوم كلما سلّم من التطوع ذهب يدعو الله عز وجل حتى يجعله من الأمور الراتبة والسنن اللازمة فهذا أمر لا دليل عليه والسنة إنما جاءت بالدعاء قبل السلام.
هذه صفة الصلاة فيما نعلمه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي للإنسان أن يحرص على تطبيق ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق كيفية الصلاة ليكون ممتثلاً لقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري وأحمد.
وأهم شيء بالنسبة للصلاة بعد أن يُجري الإنسان أفعاله على السنة فيما أراه: هو حضور القلب، لأن كثيراً من الناس الآن لا تتسلط عليه الهواجس والوساوس إلا إذا دخل في الصلاة، وبمجرد ما ينتهي من صلاته تطير عنه هذه الهواجس والوساوس.
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من كتاب صفة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم للعثيمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق